فصل: الشاهد الثالث والثمانون بعد الستمائة(br)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد السادس والسبعون بعد الستمائة

لولا فوارس من ذهل وأسرتهم *** يوم الصليفاء لم يوفون بالجار

على أن لم قد جاءت في الشعر غير جازمة‏.‏

وكذلك قال ابن عصفور‏:‏ إن رفع المضارع بعد لم ضرورة‏.‏ وأنشد مع هذا البيت قول الشاعر‏:‏ المتقارب‏.‏

وأمسوا بهاليل لو أقسمو *** على الشمس حولين لم تطلع

برفع تطلع‏.‏ وقال‏:‏ حكم للم بدلاً من حكمها بحكم ما، لما كانت نافية مثلها‏.‏ فرفع المضارع بعدها كما يرفع بعد ما‏.‏

وقال التبريزي في شرح الكافية، تبعاً لابن جني في سر الصناعة‏:‏ وقد لا تجزم لم، حملاً على لا‏.‏

وقال ابن مالك‏:‏ إن رفع المضارع بعدها لغة لا ضرورة‏.‏ كذا في مغني اللبيب‏.‏

وفوارس‏:‏ جمع فارس، شاذ‏.‏ وذهل، بضم الذال المعجمة‏:‏ اسم لقبيلتين، إحداهما‏:‏ ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة‏.‏ والأخرى‏:‏ ذهل بن ثعلبة ابن عكابة، وهما من ربيعة‏.‏

وروى بدله‏:‏ من جرم بفتح الجيم، وهو قبيلة أيضاً‏.‏ وروى‏:‏ نعم أيضاً بضم النون، وهو اسم امرأة، وهو تحريف‏.‏

من ذهل وأسرتهم يروى بالرفع عطف على فوارس، ويروى بالجر عطف على ذهل‏.‏

وأسرة الرجل، بضم الهمزة‏:‏ رهطه‏.‏ والصليفاء‏:‏ مصغر صلفاء، وهي الأرض الصلبة، والمكان أصلف‏.‏ ويقال‏:‏ صلفاء، بوزن حرباء‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ الأصلف والصلفاء‏:‏ ما اشتد من الأرض وغلظ وصلب، والجمع الأصالف والصلافي‏.‏ كذا في العباب للصاغاني‏.‏ ويوم الصلفاء هو يوم من أيام العرب، لكن الشاعر صغره‏.‏

قال ابن رشيق في العمد‏:‏ يوم الصلفاء لهوازن على فزارة وعبس وأشجع، وفيه قتل دريد بأخيه ذؤاب بن أسماء‏.‏ انتهى‏.‏

والواو في يوفون ضمير القوم الذين هجاهم الشاعر‏.‏ والجار له معان‏:‏ منها المجاور في السكن، ومنها المستجير وهو الذي يطلب الأمان، ومنها الحليف‏.‏ وأحد هذه الثلاثة هو المناسب، وعليه ففيه حذف مضاف، أي‏:‏ لم يوفون بذمة الجار‏.‏

وهذا البيت أنشده الأخفش والفارسي وغيرهما، ولم أجد من عزاه إلى قائله، ولا من ذكر له تتمة‏.‏ والله أعلم به‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السابع والسبعون بعد الستمائة

الطويل‏.‏

فأضحت مغانيها قفاراً رسومه *** كأن لم سوى أهل من الوحش توهل

على أن لم قد فصلت في الضرورة من مجزومها، فإن الأصل‏:‏ كأن لم توهل سوى أهل من الوحش ‏.‏

وقيد ابن عصفور الفصل في الضرورة بالمجرور والظفر، وأنشد‏:‏ الطويل

نوائب من لدن ابن آدم لم تزل *** تباكر من لم بالحوادث تطرق

وأنشد بعده قوله‏:‏ فأضحت مغانيها البيت وقد فصل في الأول بين لم ومجزومها وهو تطرق، بالمجرور، وفصل في الثاني بالظرف بينهما‏.‏

وكذلك صنع ابن هشام في المغني، قال‏:‏ وقد تقصل من مجزومها في الضرورة بالظرف، كقوله‏:‏ الوافر

فذاك ولم إذا نحن امترين *** تكن في الناس يدركك المراء

وقوله‏:‏

فأضحت مغانيها البيت

وقد يليها الاسم معمولاً لفعل يفسره ما بعده‏:‏ كقوله‏:‏ الطويل

ظننت فقيراً ذا غنى ثم نلته *** فلم ذا رجاء ألقه غير واهب

انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ إذا نحن امترينا متعلق بيدرك، الأصل‏:‏ ولم تكن في الناس، يدركك المراء، إذا نحن امترينا، والامتراء‏:‏ الشك‏.‏ والمراء‏:‏ الجدال‏.‏

وقوله‏:‏ ظننت فقيراً‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الخ، هو بالبناء للمجهول والتكلم‏.‏ وفقيراً‏:‏ حال من نائب الفاعل، وذا غنى‏:‏ مفعول ثان لظننت، وضمير نلته‏:‏ للغنى، وذا رجاء‏:‏ مفعول لفعل محذوف مفسر بألقى المذكور‏.‏

وغير واهب‏:‏ حال من فاعله، يعني أنه في حال فقره كان متعففاً، فكنى عن ذلك بظنه ذا غنى، وأنه حين صار غنياً، يعطي كل راج، لقيه، ما يرجو‏.‏

والبيت من قصيدة طويلة لذي الرمة‏.‏

وقبله‏:‏

فيا كرم السكن الذين تحملو *** عن الدار والمستخلف المتبدل

وبعده‏:‏

كأن لم تحل الرزق مي ولم تط *** بجرعاء حزوى نير مرط مرحل

إلى ملعب بين الحواءين منصف *** قريب المزار طيب الترب مسهل

وقوله‏:‏ فيا كرم السكن إلخ ، هو نداء تعجبي

أي‏:‏ يا صاح، انظر كرم السكن، وهو أهل الدار، جمع ساكن كصحب جمع صاحب‏.‏ وتحملوا‏:‏ ارتحلوا‏.‏

والمستخلف‏:‏ معطوف على الدار، وهو المبتدل، رويا على صيغة اسم الفاعل، واسم المفعول‏.‏

يريد‏:‏ الدار تبدلت بالسكن الوحوش والظباء والبقر‏.‏ يعني أن الدار استخلفت، واستبدلت الوحش‏.‏

وبهذا البيت استشهد صاحب الكشاف على أن التبدل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب بمعنى الاستبدال، كالتعجل والتأخر، بمعنى الاستعجال والاستئخار‏.‏

وقوله‏:‏ فأضحت مغانيها، أي‏:‏ صارت، والمغاني‏:‏ جمع مغنى، وهو المقام، من غني بالمكان كرضي‏:‏ إذا أقام فهو غان‏.‏ والقفار‏:‏ جمع قفر‏.‏

في المصباح‏:‏ القفر‏:‏ المفازة لا ماء فيها ولا نبات‏.‏ ودار قفر‏:‏ خالية من أهلها‏.‏ والرسم‏:‏ الأثر‏.‏ ورسومها‏:‏ فاعل قفار‏.‏

والمروي في ديوانه كذا‏:‏

فأضحت مباديها قفاراً بلادها

قال شارحه‏:‏ مباديها‏:‏ حيث تبدو في الربيع‏.‏ والبلاد‏:‏ جمع بلدة، وهي القطعة من الأرض‏.‏ وأهل المكان أهولاً من باب قعد‏:‏ عمر بأهله، فهو آهل، وقرية آهلة‏.‏ وأهلت بالشيء‏:‏ أنست به‏.‏ قال شارح الديوان‏:‏ توهل‏:‏ تنزل‏.‏ يقال‏:‏ بلد مأهول‏:‏ ذو أهل‏.‏

وقال ابن الأنباري في شرح المفضليات‏:‏ أهل هذا المكان‏.‏ وسمعت، يقال‏:‏ مكان آهل، أي‏:‏ ذو أهل‏.‏ وأنشد هذا البيت، ثم قال‏:‏ وبنو عامر يقولون‏:‏ أهلت به آهل به أهولاً، أي‏:‏ أنست به‏.‏

وقوله‏:‏ كأن لم تحل الزرق هو جمع أزرق‏.‏ قال شارح الديوان‏:‏ الزرق‏:‏ أكثبة بالدهناء‏.‏ والجرعاء من الرمل‏.‏ وحزوى بضم المهملة‏:‏ موضع‏.‏

والمرط، بالكسر‏:‏ الإزار‏.‏ ونيره‏:‏ علمه‏.‏ والمرحل بفتح الحاء المهملة المشددة‏:‏ الموشى على لون الرحال‏.‏

وقوله‏:‏ إلى ملعب، الحواءين، بكسر المهملة‏:‏ أبيات مجتمعة‏.‏ يريد‏:‏ ملعباً بني الحواءين‏.‏ ومنصف، بفتح الميم والصاد، يقول‏:‏ هو بين الحواءين وسط‏.‏ ومسهل‏:‏ سهل قد انحدر عن الغلظ‏.‏

وترجمه ذي الرمة تقدمت في الشاهد الثامن من أول الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الكامل‏.‏

أزف الترحل غير أن ركابن *** لما تزل برحالنا وكأن قد

على أن الفعل بعد قد محذوف اختياراً، أي‏:‏ وكأن قد زالت‏.‏ وأزف‏:‏ دنا‏.‏ والركاب‏:‏ الإبل‏.‏ ولما‏:‏ نافية جازمة، وتزل‏:‏ مجزوم، وأصله تزول‏.‏ والرحال‏:‏ جمع رحل، وهو ما يستصحبه الإنسان من الأثاث في السفر‏.‏ وكأن مخففة‏.‏

وتقدم شرح هذا البيت مفصلاً في الشاهد الخامس والعشرين بعد الخمسمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثامن والسبعون بعد الستمائة

الكامل

احفظ وديعتك التي استودعته *** يوم الأعارب إن وصلت وإن لم

وعلى أن حذف مجزوم لم ضرورة، والأصل‏:‏ وإن لم تصل‏.‏

كذا قدره أبو حيان، فيكون وصلت مثله بالبناء للمعلوم‏.‏

وقدره أبو الفتح البعلي‏:‏ وإن لم توصل، فيكون إن وصلت مثله بالبناء للمفعول‏.‏

وأنشد ابن عصفور في الضرائر الشعرية‏:‏ قول ابن هرمة‏:‏ الكامل

وعليك عهد الله إن ببابه *** أهل السيالة إن فعلت وإن لم

يريد‏:‏ وإن لم تفعل‏.‏

ومثله قول الآخر‏:‏ الرجز

يا رب شيخ من لكيز ذي غنم *** في كفه زيغ وفي الفم فقم

أجلح لم يمشط وقد كان ولم

يريد‏:‏ وقد كان ولم يجلح‏.‏ ثم قال‏:‏ وإنما لم يجز الاكتفاء بلم وحذف ما تعمل فيه إلا في الشعر، لأنها عامل ضعيف، فلم يتصرفوا فيها بحذف معمولها في حال السعة، بل إذا كان الحرف الجار - وهو أقوى في العمل منه، لأنه من عوامل الأسماء، وعوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال - لا يجوز حذف معموله، فالأحرى أن لا يجوز ذلك في الجازم‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فلم جاز الاكتفاء بلما، وحذف معمولها في سعة الكلام، وهي جازمة، فقالوا‏:‏ قاربت المدينة ولما، أي‏:‏ ولما أدخلها ولم يجز ذلك في لم‏؟‏ فالجواب أن تقول‏:‏ إن الذي سوغ ذلك فيها كونها نفياً لقد فعل‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ في نفي قد قام زيد‏:‏ لم يقم، فحملت لذلك على قد، فكما يقال‏:‏ لم يأت زيد وكأن قد، أي‏:‏ وكأن قد أتى، فيكتفي بقد، فكذلك أيضاً قالوا‏:‏ قاربت المدينة ولما، أي‏:‏ ولما أدخلها، فاكتفوا بلما‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وقوله‏:‏ احفظ‏:‏ أمر‏.‏ واستودعتها‏:‏ على بناء المجهول‏.‏ ويوم الأعارب‏:‏ لم أقف عليه في كتب أيام العرب، وقال العيني‏:‏ هو يوم معهود بينهم‏.‏ ونسب البيت إلى إبراهيم بن هرمة‏.‏

وتقدمت ترجمته في الشاهد الثامن والستين والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد التاسع والسبعون بعد الستمائة

الوافر

ألما تعرفوا منا اليقينا

على أن الهمزة الداخلة على لما للاستفهام التقريري، أي‏:‏ ألم تعرفوا منا إلى الآن الجد في الحرب عرفاناً يقيناً‏.‏ أي‏:‏ قد علمتم ذلك فلم تتعرضوا لنا‏.‏

وهذا عجز، وصدره‏:‏

إليكم يا بني بكر إليكم

والبيت من معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي، يخاطب بني عمه بكر بن وائل‏.‏

وإليكم‏:‏ اسم فعل، أي‏:‏ ابعدوا، وتنحوا عنا إلى أقصى ما يمكن من البعد‏.‏ وكرر إليكم تأكيداً للأولى‏.‏ وبعده‏:‏

ألما تعلموا منا ومنكم *** كتائب يطعن ويرتمينا

وألما مثل الأولى‏.‏ والكتيبة‏:‏ الجماعة من الجيش، سميت كتيبة لاجتماع بعضها إلى بعض؛ ومنه كتبت الكتاب، أي‏:‏ جمعت بعض حروفه إلى بعض‏.‏ ويطعن‏:‏ يفتعلن من الطعن، وكذلك يرتمينا‏:‏ يفتعلن من الرمي، والألف للإطلاق‏.‏ أراد التطاعن بالرمح، والترامي بالسهم منا ومنكم‏.‏

وتقدمت ترجمة عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة مع شرح أبيات منها في مواضع في الشاهد الثامن والثمانين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثمانون بعد الستمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الوافر

محمد تفد نفسك كل نفس *** إذا ما خفت من شيء تبالا

على أنه جاء في ضرورة الشعر، حذف لام الأمر في فعل غير الفاعل المخاطب، والتقدير‏:‏ يا محمد لتفد نفسك كل نفس‏.‏

قال سيبويه‏:‏ واعلم أن هذه اللام قد يجوز حذفها في الشعر، وتعمل مضمرة، كأنهم شبهوها بأن إذا أعملوها مضمرة‏.‏

وقد قال الشاعر‏:‏

محمد تفد نفسك كل نفس‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

وإنما أراد‏:‏ لتفد‏.‏

وقال متمم بن نويرة‏:‏ الطويل

على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي *** لك الويل حر الوجه ويبك من بكى

أراد‏:‏ ليبك‏.‏ انتهى‏.‏

قال الأعلم‏:‏ هذا من أقبح الضرورة، لأن الجازم أضعف من الجار، وحرف الجر لا يضمر‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنه مرفوع حذفت لامه ضرورة، واكتفي بالكسرة منها‏.‏ وهذا أسهل في الضرورة وأقرب‏.‏

وقال النحاس‏:‏ سمعت علي بن سليمان، يقول‏:‏ سمعت محمد بن يزيد ينشد هذا البيت، ويلحن قائله، وقال‏:‏ أنشده الكوفيون، ولا يعرف قائله، ولا يحتج به، ولا يجوز مثله في شعر ولا غيره؛ لأن الجازم لا يضمر؛ ولو جاز هذا، لجاز يقم زيد، بمعنى‏:‏ ليقم‏.‏ وحروف الجزم لا تضمر، لأنها أضعف من حروف الخفض، وحرف الخفض لا يضمر‏.‏

فبعد أن حكى لنا أبو الحسن هذه الحكاية، وجدت هذا البيت في كتاب سيبويه يقول فيه‏:‏ وحدثني أبو الخطاب أنه سمع هذا البيت ممن قاله‏.‏

قال أبو إسحاق الزجاج احتجاجاً لسيبويه‏:‏ في هذا البيت حذف اللام، أي‏:‏ لتفد‏.‏ قال‏:‏ وإنما سماه إضماراً، لأنه بمنزلته‏.‏

وأما قوله‏:‏ ويبك من بكى، فهذا البيت لفصيح، وليس هذا مثل الأول، وإن كان سيبويه قد جمع بينهما‏.‏

وذلك أن المعطوف يعطف على اللفظ وعلى المعنى، فعطف الشاعر على المعنى، لأن الأصل في الأمر أن يكون باللام، فحذفت تخفيفاً، والأصل‏:‏ فلتخمشي، فلما اضطر الشاعر عطف على المعنى، فكأنه قال‏:‏ فلتخمشي، ويبك، فيكون الثاني معطوفاً على معنى الأول‏.‏

والبعوضة‏:‏ موضع بعينه قتل في رجال من قومه، فحض على البكاء عليهم‏.‏

وحذا ابن هشام في المغنى هذا الحذو، وقال‏:‏ وهذا الذي منعه المبرد أجازه الكسائي في الكلام، بشرط تقدم قل، وجعل منه‏:‏ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ، أي‏:‏ ليقيموا‏.‏

ووافقه ابن مالك في شرح الكافية وزاد عليه أن ذلك يقع في النثر قليلاً بعد القول الخيري، كقوله‏:‏ الرجز

قلت لبواب لديه داره *** تيذن فإني حموها وجارها

أي‏:‏ لتيذن، فحذف اللام، وكسر حرف المضارعة‏.‏

وأما ابن عصفور فلم يزد في كتاب الضرائر على قوله‏:‏ إضمار الجازم، وإبقاء عمله أقبح من إضمار الخافض‏.‏ ثم أنشد خمسة أبيات حذف فيها اللام‏.‏

ومحمد‏:‏ منادى‏.‏ وتفد‏:‏ أمر من الفداء‏.‏ وكل‏:‏ فاعله‏.‏ ونفسك‏:‏ مفعوله‏.‏ والتبال، بفتح المثناة بعدها موحدة‏.‏ قال الأعلم، وتبعه ابن هشام‏:‏ وهو سوء العاقبة، وأصله وبال، فتاؤه مبدلة من الواو‏.‏

والبيت لا يعرف قائله، ونسبه الشارح في الباب الذي بعد هذا لحسان، وليس موجوداً في ديوانه‏.‏

وقال ابن هشام في شرح الشذور‏:‏ قائله أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل‏:‏ هو للأعشى‏.‏ والله أعلم بحقيقة الحال‏.‏

وأشر بعده

الشاهد الحادي والثمانون بعد الستمائة

الخفيف

لتقم أنت يا ابن خير قريش *** فلتقضي حوائج المسلمينا

على أن أمر المخاطب جاء فيه باللام، وهو في الشعر أكثر منه في النثر، أراد‏:‏ قم‏.‏ وكذا اللام في قوله‏:‏ فلتقضي لأمر المخاطب، والياء إشباع الكسرة‏.‏

والبيت أورده الكوفيون، وهو مجهول، لا يعلم تتمته ولا قائله‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثاني والثمانون بعد السستمائة

الرجز

قالت بنات العم يا سلمى وإن *** كان فقيراً معدماً قالت وإن

على أن فيه حذف الشرط والجزاء معاً لضرورة الشعر، والتقدير‏:‏ وإن كان كذلك رضيته أيضاً‏.‏

وكذا قال ابن عصفور في كتاب الضرائر‏:‏ إن حذفهما خاص بالشعر‏.‏

وأورده ابن هشام في فصل الحذف من المغني ولم يخصصه بالشعر‏.‏

وأما إن الأولى فإنما حذف منها جوابها، والتقدير‏:‏ وإن كان فقيراً أترضين به، لأن كان شرطها، واسمها مستتر فيها يعود إلى بعل في بيت مقدم‏.‏ وهو‏:‏ الرجز

قلت سليمى ليت لي بعلاً يمن *** يغسل جلدي وينسيني الحزن

وحاجة ما إن لها عندي ثمن *** ميسورة قضاؤها منه ومن

قالت بنات العم يا سلمى وإن *** كان فقيراً معدما قالت وإن

وهذا الرجز منسوب إلى رؤبة بن العجاج، وسليمى‏:‏ مصغر سلمى الآتية‏.‏ والبعل‏:‏ الزوج‏.‏

ويمن‏:‏ فعل مضارع من المنة، وخفف النون للضرورة، والمنة‏:‏ النعمة، يقال‏:‏ من عليه، أي‏:‏ أنعم عليه‏.‏ والمراد هنا‏:‏ يحصل منه المن والإنعام، سواء كان عليه وعلى غيرها، فهو مطلق‏.‏

وقال العيني‏:‏ هو بتقدير يمن علي‏.‏

وقوله‏:‏ يغسل جلدي إلخ، تفسير لقولها يمن‏.‏ وقولها‏:‏ وحاجة، منصوب بتقدير‏:‏ ويقضي لي حاجة، وهي قضاء شهوة النوم‏.‏ وقال العيني‏:‏ حاجة معطوف على بعلاً، وما‏:‏ نافية، وإن‏:‏ زائدة‏.‏

وكون هذه الحاجة لا ثمن لها عندها لغلائها وعزتها‏.‏ وميسورة‏:‏ صفة حاجة‏.‏ وأرادت‏:‏ قضاؤها من البعل ومني، فحذفت الياء مع نون الوقاية ضرورة‏.‏

وروى‏:‏ قالت بنات الحي بدل بنات العم‏.‏ وروى‏:‏ وإنن بزيادة نون في الموضعين، وبها استشهد شراح الألفية على أن هذه النون هي تنوين الغالي، وبها يخرج الشعر عن الوزن، ولا يستقيم إلا بحذفها‏.‏

ورؤبة تقدمت ترجمته في الشاهد الخامس من أول الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثالث والثمانون بعد الستمائة

الطويل‏.‏

أماوي مهمن يسمعن في صديقه *** أقاويل هذا الناس ماوي يندم

على أن الكوفيين حكوا عن العرب مجيء مهمن بمعنى‏:‏ من كما في البيت‏.‏

قال ابن يعيش عند الكلام على مهما‏:‏ وقال آخرون‏:‏ هي مركبة من مه بمعنى اكفف، وما الشرطية‏.‏ والمعنى عندهم‏:‏ اكفف عن كل شيء، ما تفعل أفعل‏.‏ ويؤيده قول الشاعر‏:‏

أماوي مهمن يستمع في صديقه‏.‏‏.‏ البيت

فركب مه مع من، كما ركبها مع ما‏.‏ فاعرفه‏.‏ انتهى‏.‏

وقال صاحب تهذيب اللغة‏:‏ مهمن استفهام، وأصلها من من فأبدلت النون هاء‏.‏ وأنشد هذا البيت‏.‏

والهمزة في قوله‏:‏ أماوي للنداء‏.‏ وماوي‏:‏ مرخم ماوية، وهي من أسماء النساء، منها ماوية امرأة حاتم الطيئ‏.‏

وهذا البيت شبيه بشعره، لكني لم أقف عليه منسوبة إلى الماء‏.‏ وماوية‏:‏ اسم امرأة‏.‏

قال طرفة‏:‏ الرمل

ليس هذا منك ماوي بحر

واسم امرأة حاتم طيئ، وتصغيرها‏:‏ موية‏.‏ قال حاتم يخاطبها‏:‏ الوافر

فضارته موي ولم تضرني *** ولم يعرق موي لها جبيني

يعني‏:‏ الكلمة العوراء‏.‏ انتهى‏.‏

ومهمن‏:‏ اسم شرط يجزم فعلين، الأول‏:‏ يسمعن، والنون هي نون التوكيد الخفيفة‏.‏ وروي‏:‏ يستمع بدله، يفتعل من السماع‏.‏ والثاني‏:‏ يندم، وكسر للقافية‏.‏ وماوي الثاني منادى، وحرف النداء محذوف، وكرر المنادى للتلذذ به‏.‏

وروي المصراع الثاني هكذا أيضاً‏:‏

أقاويل هذا الناس يصرم ويندم

فيكون يصرم جزاء الشرط‏.‏ والصرم‏:‏ الهجر والقطع‏.‏

ورأيت في قصيدة لذي الرمة هذا المعنى مع المصراع الثاني بعينه، وهو قوله‏:‏ الطويل

ومن يك ذا وصل فيسمع بوصله *** أقاويل هذا الناس يصرمْ ويصرمِ

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الرابع والثمانون بعد الستمائة

السريع

مهما لي الليلة مهما ليه *** أودى بنعلي وسرباليه

على أن مهما فيه بمعنى الاستفهام‏.‏

قال أبو علي الفارسي في تذكرته‏:‏ هذا عندي مثل قول الخليل في مهما في الجزاء‏:‏ إنه ما ما، فقلب الألف هاء‏.‏ وذلك لأنه يريد‏:‏ مالي الليلة‏.‏ وما تستعمل في الاستفهام على حد استعمالها في الجزاء، أي‏:‏ غير موصولة فيهما‏.‏ وإنما غير كراهية التقاء الأمثال‏.‏

ألا ترى أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏في ما إن مكناكم فيه ولم يقل‏:‏ ما مامكناكم فيه، فعدل إلى إن لئلا تلتقي الأمثال في اللفظ‏.‏ ومن قال مهما هي مه ما، غير مغيرة، فإن كان يريد أنها مه التي للأمر، فليس يخلو من أن يجزم بها، ولا يجزم‏.‏ فإن كان يجزم، فإنما قال‏:‏ مه، ثم استأنف، فقال‏:‏ ما تفعل أفعل، لم يجز‏.‏

ألا ترى أن قوله‏:‏ الطويل

وإنك مهما تأمري القلب يفعل

ليس يريد به‏:‏ وأنك اكففي، ما تأمري القلب يفعل، وإن كان لا يجزم الفعل بها، كأنه قال‏:‏ لتكفف افعل، لم يكن لذكر فعل الشرط وجه‏.‏ وإن كان لا يريد الأمر بها ولكنها حرف يوافق التي للأمر في اللفظ ويخالفه في المعنى، فيكون حرفاً للشرط يجزم، بمنزلة إن، جاز ذلك‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن الحاجب في أماليه‏:‏ إنه يجوز أن يكون مه في مهما لي الليلة، اسم فعل بمعنى اسكت، واكفف عما أنت فيه من اللوم، كأنه يخاطب لائماً على ما يراه من الوله‏.‏ ثم قال‏:‏ مالي الليلة، تعظيماً للحال التي أصابته، والشدة التي أدركته‏.‏

ثم ذكر الأمر الذي يحقق تعظيم الأمر، فقال‏:‏ السريع

أودى بنعلي وسرباليه

يعني ذهب بنعلي وسرباليه، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هلك عني سلطانيه ‏.‏ وإذا ذهب عنه نعله وسرباله دل على أن حاله بلغت مبلغاً أذهلته عما لا يذهل متيقظ عن مثله‏.‏

وصورة الاستفهام للتعظيم ثم مجيء ما يحقق ذلك التعظيم بجملة أخدى بعد ذلك، من فصيح كلام العرب وبديعه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة ثم قال‏:‏ كذبت ثمود ‏.‏

ويجوز أن يكون مهما أصله ما ما، كررت ما الاستفهامية للتأكيد اللفظي، فقلبت الألف الأولى هاء كما قلبت ألف الشرطية في قولهم‏:‏ مهما‏.‏ وهي عند الأكثرين‏:‏ ما ما‏.‏

وليس ذلك بقياس، وإنما هو حمل لفظ العربي على ما يحتمله، مما هو من جنس كلامهم، وليس من القياس المختلف فيه في شيء‏.‏

ويجوز أن تكون ما الأولى قدر الوقف عليها، فقلبت ألفها هاء، ثم أجري الوصل مجرى الوقف‏.‏ والوجه الأول أوجه وأوضح‏.‏ انتهى‏.‏

واختار ابن هشام التوجيه الأول في المغني في رد ما قاله الشارح المحقق‏.‏ قال‏:‏ ذكر جماعة منهم ابن مالك أن مهما تأتي للاستفهام، واستدلوا بهذا البيت، ولا دليل فيه؛ لاحتمال أن التقدير‏:‏ مه اسم فعل بمعنى‏:‏ اكفف، ثم استأنف استفهاماً بما وحدها‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وكأنه يريد به تقليل الأقسام مهما أمكن‏.‏ وعلى أي تقدير كان، مهما‏:‏ هاهنا مبتدأ، ولي‏:‏ هي الخبر، والليلة‏:‏ ظرف معمول إما لمتعلق الجار في لي، والتقدير‏:‏ ما حصل لي، وإما بما تضمنه معنى الجملة الكبرى، لأن معناها ما أصنع وما ألبس‏.‏ وأودى‏:‏ هلك وتلف‏.‏

والنعلان‏:‏ مثنى نعل، وهو ما وقيت به الرجل من الأرض‏.‏ والسربال، بالكسر‏:‏ القميص، وقيل الدرع، وقيل‏:‏ كل ما ليس على البدن‏.‏ والباء في قوله بنعلي‏:‏ زائدة في الفاعل‏.‏

قال أبو علي في كتاب الشعر‏:‏ يجوز أن تكون الباء زائدة، كأنه قال أودى نعلاي، فلحقت الباء كما لحقت في‏:‏ كفى بالله‏.‏ فإن قلت‏:‏ فلم لا تجعل الباء زائدة في المفعول به، ويكون الفاعل مضمراً، كأنه قال‏:‏ أودى مود بنعلي، فتضمره للدلالة عليه كما أضمر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم بدا لهم ‏؟‏ فالقول أن هذا أضعف، لأنه ليس في مود الذي تضمره زيادة على ما استفدته في قوله أودى، وليس قوله سبحانه‏:‏ ثم بدا لهم، كذلك، لأن البدا والبداء قد صارا بمنزلة المذهب في قولك‏:‏ ذهب به مذهب، وسلك به مسلك‏.‏

فإن قلت‏:‏ فلم لا تجعل فاعل أودى ذكراً يعود إلى ما في قوله‏:‏ مهما لي الليلة‏؟‏ فإن ذلك أيضاً ليس بالقوي، لأن المعنى يصير‏:‏ كأنه أودى شيء بنعلي‏.‏

فإذا جعلت الباء لاحقة للفاعل، كان أشبه، ولا تزيد مع الفاعل من الحروف الجارة غير الباء في قول سيبويه في الإيجاب، كما لم تزد فيه غير الباء في المبتدأ‏.‏ انتهى كلام أبي علي‏.‏

وذهب ابن الحاجب في أماليه إلى أن الباء للتعدية‏.‏ قال‏:‏ والباء باء التعدية، يعني‏:‏ أذهبهما، وأضلهما عني‏.‏ يقال‏:‏ أذهبته، وذهبت به، بمعنى واحد‏.‏ هذا كلامه‏.‏

واختار ابن هشام في المغني مذهب أبي علي، لكنه جعل زيادة الباء في الفاعل مختصاً بالضرورة، تبعاً لابن عصفور في كتاب الضرائر‏.‏

ثم نقل كلام ابن الحاجب وتعقبه بقوله‏:‏ ولم يتعرض لشرح الفاعل، وعلام يعود إذا قدر ضميراً في أودى‏.‏ ويصح أن يكون التقدير‏:‏ أودى هو، أي‏:‏ مود، أي‏:‏ ذهب ذاهب‏.‏

ولا يخفى عليك أن هذا التوجيه، قد رده أبو علي، وبين ضعفه‏.‏

وهذا البيت مطلع قصيدة لعمرو بن ملقط الطائي، عدتها اثنا عشر بيتاً، أوردها أبو زيد وابن الأعرابي في نوادريهما‏.‏

وما بعده على رواية أبي زيد‏:‏ السريع

إنك قد يكفيك بغي الفتى *** ودرأه أن تركض العاليه

بطعنة يجري لها عاند *** كالماء من غائلة الجابيه

يا أوس لو نالتك أرماحن *** كنت كمن تهوي به الهاويه

ألفيتا عيناك عند القف *** أولى فأولى لك ذا واقيه

ذاك سنان محلب نصره *** كالجمل الأوطف بالروايه

يا أيها الناصر أخواله *** أأنت خير أم بنو جاريه

أم أختكم أفضل أم أختن *** أم أختنا عن نصرنا وانيه

والخيل قد تجشم أربابها ال *** شق وقد تعتسف الداويه

يأبى لي الثعلبتان الذي *** قال ضراط الأمة الراعيه

ظلت بواد تجتني صمغة *** واحتبلت لقحتها الآنيه

ثم غدت تنبذ أحراده *** إن متغناة وإن حاديه

قوله‏:‏ أن تركض العالية، في تأويل مصدر مرفوع، فاعل يكفيك، أي‏:‏ يقيك، وبغي الفتى‏:‏ مفعوله الثاني، ودرأه‏:‏ معطوف على بغي‏.‏ والبغي‏:‏ التعدي، والدرء‏:‏ العوج‏.‏ يقال‏:‏ أقمت درء فلان، أي‏:‏ اعوجاجه‏.‏

وروي بدله‏:‏ وشغبه بالسكون، وهو تهييج الشر‏.‏ والعالية، بالعين المهملة‏:‏ اسم فرس الشاعر، وهو عمرو بن ملقط، كذا قال أبو زيد‏.‏

وزعم ابن الأعرابي‏:‏ أنه أراد عالية الرمح، وغلطه أبو محمد الأعرابي فيما كتب على نوادره‏.‏

وقد خاطب الشاعر نفسه في هذا البيت‏.‏ وأراد بالفتى‏:‏ أوس بن حارثة بن لأم الطائي كما يأتي‏.‏

وقوله‏:‏ بطعنة إلخ ، متعلق بيكفيك‏.‏ والعاند، بالمهملة والنون‏:‏ هو العرق الذي لا يخرج دمه على جهة واحدة‏.‏ قاله أبو زيد‏.‏

والغائلة بالمعجمة‏:‏ ما غال من الماء وسرق‏.‏ والجابية، بالجيم‏:‏ الحوض‏.‏ كذا قالهما أبو زيد‏.‏

وقوله‏:‏ يا أوس هو أوس المذكور، وهو جاهلي‏.‏ ورواه ابن الأعرابي‏:‏ يا عمرو وغلطه أبو محمد الأعرابي‏.‏ وتهوي‏:‏ تقع من فوق إلى أسفل‏.‏ والهاوية‏:‏ المهواة‏.‏

وقوله‏:‏ ألفيتا عيناك‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ألفيتا بالبناء للمفعول، أي‏:‏ وجدتا‏.‏ وهذا على لغة أكلوني البراغيث‏.‏

وأورده ابن هشام في المغني، وفي شرح الألفية على أن الألف فيه علامة لاثنين‏.‏

وكذا أورده ابن الأعرابي، وقد غلطه أبو محمد الأعرابي، وقال‏:‏ إنما هو‏:‏ أفلتتا عيناك عند القفا‏.‏ ولم يظهر لي معناه، مع أنه وافق أبا زيد في الرواية‏.‏

والعجب من شارحه ابن الملا لقوله هنا‏:‏ إن هذا البيت لم يسم قائله، مع أن هذه القصيدة بتمامها في شواهد العيني في باب الفاعل، ولم يتذكر ما أسلفه في شرح قوله‏:‏

مهما لي الليلة مهما ليه

في حرف الباء من المغني من قوله‏:‏ هذا البيت مطلع قصيدة لعمرو بن ملقط الطائي؛ وسيورده المصنف في الكلام على مهما‏.‏ واستشهد بيت من أبياتها أيضاً في الحرف الهاوي‏.‏ ويأتي الكلام عليه هناك‏.‏ آه‏؟‏‏.‏

وقال أيضاً عند الكلام على متى‏:‏ تقدم الكلام عليه مستوفى في الباء الموحدة‏.‏

وقوله‏:‏ أولى لك، كلمة وعيد وتهديد قد شرحها الشارح المحقق في أفعال المقاربة‏.‏ وقوله‏:‏ ذا واقية، حال من الكاف في عيناك، وصح مجيء الحال من المضاف إليه، لكن المضاف جزءاً منه‏.‏

والواقية‏:‏ مصدر بمعنى الوقاية كالكاذبة بمعنى الكذب‏.‏ يصفه بالهروب، ويقول‏:‏ أنت ذو وقاية من عينيك عند فرارك تحترس بهما، ولكثرة تلفتك إلى خلفك، حينئذ صارت عيناك كأنهما في قفاك‏.‏

وقوله‏:‏ ذاك سنان إلخ، قال أبو زيد‏:‏ سنان‏:‏ اسم رجل‏.‏ والمحلب، بضم الميم وسكون المهملة وكسر اللام‏:‏ المعين، من الإعانة‏.‏ والأوطف‏:‏ الكثير شعر الأذنين، وهدب العينين‏.‏ آه‏؟‏‏.‏

والراوية‏:‏ البعير، والبغل، والحمار الذي يستقى عليه‏.‏ ونصره‏:‏ مبتدأ، ومحلب‏:‏ خيره‏.‏ ووانية، من الوني، وهو الفتور والإبطاء‏.‏

وقوله‏:‏ والخيل قد تجشم إلخ، الإجشام، بالجيم‏:‏ التكليف، وفاعله ضمير الخيل، وأربابها‏:‏ مفعوله الأول‏.‏

والشق؛ بفتح الشين وكسرها‏:‏ بمعنى المشقة، مفعوله الثاني‏.‏

والاعتساف‏:‏ المشي على غير الطريق المسلوكة، وفاعله ضمير الخيل‏.‏ والداوية‏:‏ المفازة، وخففت الياء للضرورة‏.‏

وقوله‏:‏ يأبى لي الثعلبتان إلخ، يأبى من الإباء، أي‏:‏ يكره‏.‏ والثعلبتان‏:‏ فاعل يأبى‏.‏

قال صاحب الصحاح‏:‏ الثعلبتان‏:‏ ثعلبة بن جدعان بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ، وثعلبة بن رومان ابن جندب‏.‏ وأنشد هذا البيت‏.‏

والذي‏:‏ مفعول يأبى، وقال‏:‏ صلة الذي، والعائد محذوف، أي‏:‏ قاله‏.‏ وضراط‏:‏ فاعل قال‏:‏ وأراد به‏:‏ أوساً المذكور، سماه به استهانة به، وتحقيراً له‏.‏

وروي‏:‏ خباج بدل ضراط، بضم الخاء المعجمة بعدها موحدة ثم جيم، وهو بمعنى الضراط‏.‏

وقوله‏:‏ ظلت، أي‏:‏ استمرت‏.‏ واللقحة، بالكسر‏:‏ الناقة ذات اللبن‏.‏ والآنية، قال أبو زيد‏:‏ هي المبطئة بلبنها‏.‏ وفسرها بعضهم على هامش النوادر بالمدركة‏.‏

وقوله‏:‏ تنبذ أحراده إلخ، تنبذ‏:‏ تطرح، وفاعله ضمير الأمة‏.‏ والأحراد‏:‏ جمع حرد، بفتح المهملتين، قال أبو زيد‏:‏ هو الغيظ، والغضب‏.‏

ورواه ابن الأعرابي‏:‏

ثم غدت تنبض أحرادها

وقال‏:‏ تنبض‏:‏ تضطرب، وأحرادها‏:‏ أمعاؤها‏.‏ قال أبو محمد الأعرابي‏:‏ الصواب ثم غدت تبنذ أحرادها، أي‏:‏ تضرط، يدلك على هذا قوله سابقاً‏:‏ ضراط الأمة الراعية‏.‏ آه‏؟‏‏.‏

وروى العيني‏:‏ تحرد أحرادها وما أدري من أين نقلها‏.‏

وقوله‏:‏ إن متغناة إلخ، قال أبو الحسن في شرحه‏:‏ أراد‏:‏ متغنية، يقلبون الياء ألفاً‏.‏ وحادية من حداء الإبل، وهو سوقها بالغناء‏.‏ وإن هنا للتقسيم، بمعنى‏:‏ إما المكسورة‏.‏

قال ابن هشام في المغني‏:‏ إما المكسورة المشددة مركبة عند سيبويه من إن وما‏.‏ وقد تحذف ما، كقوله‏:‏ المتقارب

سقته الرواعد من صيف *** وإن من خريف فلن يعدما

أي‏:‏ إما من خريف، وإما من صيف‏.‏ ويدل لما قلناه رواية الجرمي وأبي حاتم‏:‏

إما مغناة وإن حاديه

وعمرو بن ملقط الطائي شاعر جاهلي‏.‏ وملقط بكسر الميم وسكون اللام وفتح القاف‏.‏ آه‏؟‏‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الخامس والثمانون بعد الستمائة

المتقارب

ومهما وكلت إليه كفاه

على أن مهما اسم، بدليل رجوع الضمير إليه، وهو الهاء من كفاه، والضمير لا يرجع إلا إلى الاسم، وأما الضمير في إليه فراجع إلى الممدوح‏.‏

كذا استدل به ابن يعيش في شرح الكافية‏.‏ وكذا الضمير في به راجع إلى مهما في الآية‏.‏

وقال الزمخشري وغيره‏:‏ عاد عليها ضمير به، وضمير بها، حملاً على اللفظ، وعلى المعنى‏.‏

قال ابن هشام في المغني‏:‏ والأولى أن يعود ضمير بها الآية‏.‏ وفيه أن عود الضمير إلى المبين أولى من عوده إلى البيان‏.‏ وزعم السهيلي أن مهما تأتي حرفاً، بدليل قول زهير‏:‏ الطويل‏.‏

ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم

قال‏:‏ هي هنا‏:‏ حرف بمنزلة إن، بدليل أنها لا محل لها‏.‏

وتبعه ابن يسعون واستدل بقوله‏:‏ البسيط‏.‏

قد أوبيت كل ماء فهي ضاوية *** مهما تصب أفقاً من بارق تشم

قال‏:‏ إذ لا تكون مبتدأ لعدم رابط من الخير وهو فعل الشرط، ولا‏:‏ مفعولاً لاستيفاء فعل الشرط مفعوله‏.‏ ولا سبيل إلى غيرهما، فتعين أنها لا موضع لها‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ والجواب أنها في الأول، إما خبر تكن، وخليقة‏:‏ اسمها، ومن زائدة، لأن الشرط غير موجب عند أبي علي، وإما مبتدأ، واسم تكن ضمير راجع إليها، والظرف خبر، وأنت ضميرها لأنها الخليقة في المعنى، ومن خليقة تفسير للضمير‏.‏

كقوله‏:‏ الطويل

لما نسجتها من جنوب وشمأل

وفي الثاني مفعول تصب، وأفقاً‏:‏ ظرف، ومن بارق تفسير لمهما، ومتعلق بتصب، فمعناها التبعيض، والمعنى‏:‏ أي شيء تصب في أفق من البوارق تشم‏.‏

وقول الشارح المحقق‏:‏ إن مهما تأتي ظرف زمان إلخ، هو في هذا تابع لابن مالك، زعم أن النحويين أهملوا هذا المعنى‏.‏

وأنشد لحاتم‏:‏ الطويل‏.‏

وإنك مهما تعط بطنك سؤله *** وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

وأبياتاً أخر‏.‏ قال ابن هشام‏:‏ ولا دليل في ذلك، لجواز كونها للمصدر بمعنى، أي‏:‏ إعطاء كثيراً، وقليلاً‏.‏

وابن مالك مسبوق بهذا القول‏.‏ وشدد الزمخشري الإنكار على من قال بها، فقال‏:‏ هذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية، فيضعها في غير موضعها، ويظنها بمعنى‏:‏ متى‏.‏

ويقول‏:‏ مهما جئتني أعطيتك‏.‏ وهذا من وضعه، وليس من كلام واضع العربية، ثم يذهب فيفسر بها الآية فيلحد في آيات الله تعالى‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ والقول بذلك في الآية ممتنع، لتفسيرها بمن آية، وإن صح ثبوته في يغرها كما ذهب بعضهم في‏:‏ مهما تصب أفقاً البيت السابق، قال‏:‏ مهما فيه ظرف زمان، والمعنى‏:‏ أي وقت تصب بارقاً من أفق، فقلب الكلام، وفي أفق بارقاً، فزاد من، واستعمل أفقاً ظرفاً‏.‏

والمصراع الشاهد وقع في شعر شاعرين أحدهما المتنخل الهذلي‏.‏

وهو عجز، وصدره‏:‏

إذا سدته سدت مطواعة

والآخر‏:‏ ذو الإصبع العدواني، وصدره‏:‏

فإن سسته سست مطواعة

وتقدم شعرهما مشروحاً في الشاهد السادس والسبعين بعد المائتين‏.‏

وقوله‏:‏ إذا سدته هو من المساودة التي هي المسارة، والسواد كالسرار بكسرهما لفظاً ومعنى‏.‏ قال‏:‏ إذا ساررته طاوعك وساعدك‏.‏

وقال قوم‏:‏ هو من السيادة، فكأنه قال‏:‏ إذا كانت فوقه سيداً له أطاعك، ولم يحسدك، وإن وكلت إليه، وفوضته شيئاً كفاك‏.‏ والمطواع‏:‏ الكثير الطوع والانقياد، والتاء لتأكيد المبالغة‏.‏

وقوله في الرواية الأخرى‏:‏ إذ سسته هو من سست الراعية سياسة، إذ دبرتهم وقمت بأمرهم‏.‏ ووكلت إليه الأمر وكلاً من باب وعد، ووكولاً‏:‏ فوضته إليه، واكتفيت به‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السادس والثمانون بعد الستمائة

وهو من شواهد س‏:‏ الكامل‏.‏

إذما دخلت على الرسول فقل له *** حقاً عليك إذا اطمأن المجلس

على أن سيبويه استشهد به لإذما‏.‏

وهذا نص سيبويه في باب الجزاء‏:‏ فمما يجازى به من الأسماء غير الظروف‏:‏ من وما وأيهم‏.‏ وما يجازى به من الظروف‏:‏ أي، حين، ومتى، وأين، وأنى، وحيثما‏.‏ ومن غيرهما‏:‏ إن وإذما‏.‏

ولا يكون الجزاء في حيث ولا في إذ حتى يضم إلى كل واحدة منهما ما، فيصير إذ مع ما بمنزلة إنما وكأنما، وليست ما فيهما بلغو، ولكن كل واحدة منهما مع ما بمنزلة حرف واحد‏.‏ فمما كان من الجزاء بإذما قول العباس بن مرداس‏:‏

إذما أتيت على الرسول فقل له‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

وقال الآخر، وهو عبد الله بن همام السلولي‏:‏ الطويل

إذما تريني اليوم مزجى ظعينتي‏.‏‏.‏ البيت الآتي

سمعناهما ممن يرويهما عن العرب، والمعنى إما‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

قال ابن يعيش‏:‏ إن قيل‏:‏ إذ ظرف زمان ماض، والشرط لا يكون إلا بالمستقبل، فيكف يصح المجازاة بها‏؟‏ فالجواب من وجهين‏.‏

أحدهما‏:‏ أن إذ هذه التي تستعمل في الجزاء مع ما، ليست الظرفية، وإنما هي حرف غيرها ضمت إليها ما، فركبا دلالة على هذا المعنى كإما‏.‏

والثاني‏:‏ أنها الظرفية، إلا أنها بالتركيب غيرت ونقلت، وغيرت عن معناها بلزوم ما إياها إلى المستقبل، وخرجت بذلك إلى حيز الحروف‏.‏

ولذلك قال سيبويه‏:‏ ولا يكون الجزاء في حيث ولا في إذ حتى يضم إلى كل واحدة منهما ما، إلخ‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

ورواه أهل السير، منهم ابن هشام‏:‏

إما أتيت على النبي فقل له

وعليه لا شاهد فيه، وأصله إن ما، وهي إن الشرطية، وما الزائدة‏.‏

والبيت من قصيدة للعباس بن مرداس الصحابي، قالها في غزوة حنين يخاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكر بلاءه وإقدامه مع قومه في تلك الغزوة وغيرهما من الغزوات، وعدتها ستة عشر بيتاً، وأولها‏:‏

يا أيها الرجل الذي تهوي به *** وجناء مجمرة المناسم عرمس

إما أتيت على النبي فقل له *** حقاً عليك إذا اطمأن المجلس

يا خير من ركب المطي ومن مشى *** فوق التراب إذا تعد الأنفس

إنا وفينا بالذي عاهدتن *** والخيل تقدع بالكماة وتضرس

قوله‏:‏ يا أيها الرجل إلخ، تهوي، بكسر الواو‏:‏ تسرع‏.‏ والوجناء‏:‏ الناقة الغليظة الوجنات، قال السهيلي في الروض الأنف‏:‏ وجناء‏:‏ غليظة الوجنات بارزتها، وذلك يدل على غؤور عينها، وهم يصفون الإبل بغؤور العينين عند طول الأسفار‏.‏ ويقال من الوجنة في الآدميين‏:‏ رجل موجن، وامرأة موجنة، ولا يقال‏:‏ وجناء‏.‏ قاله يعقوب‏.‏

ومجمرة، بالجيم‏:‏ اسم مفعول من أجمر البعير، إذا أسرع في سيره‏.‏ والمناسم‏:‏ جمع منسم كمجلس، وهو مقدم طرف خف البعير‏.‏

قال السهيلي‏:‏ مجمرة المناسم، أي‏:‏ نكبت مناسمها الجمار، وهي الحجارة‏.‏ وقد يريد أيضاً أن مناسمها مجتمعة منضمة، فذلك أقوى لها‏.‏ وقد حكي‏:‏ أجمرت المرأة شعرها، إذا ضفرته‏.‏

وأجمر الأمير الجيش، أي‏:‏ حبسه عن القفول‏.‏ والعرمس، بكسر العين وسكون الراء المهملتين وكسر الميم، قال السهيلي‏:‏ هي الصخرة الصلبة، ويشبه بها الناقة الجلدة‏.‏

وقوله‏:‏ إذما دخلت إلخ، جملة دخلت، وجملة‏:‏ أتيت في الرواية الأخرى في محل جزم شرط لإذم ولإما، وجملة‏:‏ فقل كذلك جواب إذ ما وجزاؤه‏.‏

وأراد بالرسول والنبي نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقوله‏:‏ حقاً عليك، قال اللخمي‏:‏ قيل‏:‏ إنه منصوب بقل، والصواب أن يكون منصوباً على المصدر المؤكد به، ونعتاً لمصدر محذوف، لأن المقول ما بعد البيت، وهو يا خير من ركب المطي إلخ‏.‏

وعليك متعلق بحقاً‏.‏ وإذا ظرف لقل‏.‏ وطمأن‏:‏ سكن‏.‏ والمجلس، قيل يريد أهل المجلس فحذف المضاف‏.‏ وحكى أبو علي البغدادي أن المجلس الناس‏.‏

وأنشد‏:‏ الكامل‏.‏

ذهب الخيار من المعاشر كلهم *** واستب بعدك يا كليب المجلس

ويجوز أن يكون المعنى‏:‏ إذا اطمأن جلوسك‏.‏

وقوله‏:‏ يا خير من إلخ، هذا مقول القول‏.‏ وقد تعسف بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل بقوله‏:‏ يا خير من ركب بيان لقوله حق وبدل منه‏.‏

ويجوز أن يكون واقعاً موقع القسم، تأكيداً للأمر، والمعنى‏:‏ قل له قولاً حقاً صدقاً واجباً عليك، وقل له والله يا خير الراكبين‏.‏ هذا كلامه‏.‏

والمطي‏:‏ جمع مطية‏:‏ البعير، لأنه يركب مطاه، أي‏:‏ ظهره‏.‏ وقوله‏:‏ ومن مشى هو معطوف على من ركب، أي‏:‏ ويا خير من مشى‏.‏ وقوله‏:‏ إذا تعد الأنفس إذا متعلقة بخير، أي‏:‏ أنت خير الناس إذا عدوا نفساً نفساً، أي‏:‏ واحداً واحداً‏.‏

ورواه ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل‏:‏ إذا يعد الأنفس بالمثناة من تحت‏.‏ وقال‏:‏ الأنفس بفتح الفاء، على أنه أفعل تفضيل من النفاسة‏.‏

وقوله‏:‏ إنا وفين إلخ، هذا جواب النداء‏.‏ وقوله‏:‏ والحيل تقدع‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، بالبناء للمفعول، أي‏:‏ تكف‏.‏ وقيل‏:‏ تقدع، بمعنى تضرب بالمقدعة وهي العصا‏.‏ والكماة‏:‏ جمع كمي، وهو الشجاع‏.‏ وتضرس بالبناء للمفعول أيضاً، أي‏:‏ تخرج‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ أي‏:‏ تضرب أضراسها باللجم، تقول‏:‏ ضرسته، أي‏:‏ ضربت أضراسه، كما تقول‏:‏ رأسته، أصبت رأسه‏.‏

والعباس بن مرداس السلمي، من بني سليم بضم السين‏:‏ صحابي رضي الله عنه‏.‏ وقد تقدمت ترجمته في الشاهد السابع عشر من أوائل الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السابع والثمانون بعد الستمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الطويل

إذما تريني اليوم أزجي ظعينتي *** أصعد سيراً في البلاد وأفرع

لما تقدم قبله‏.‏

فتريني مجزوم بإذما بحذف النون، والأصل ترينني، فحذفت الأولى للجزم، والثانية نون الوقاية، والياء ضمير المتكلم وجزاء الشرط هو الثاني‏.‏

وقد أنشدهما سيبويه معاً، فكان ينبغي للشارح المحقق إنشادهما كذلك، وهو‏:‏ الطويل‏.‏

فإني من قوم سواكم وإنم *** رجالي فهم بالحجاز وأشجع

فجملة إني من قوم سواكم في محل جزم جزاء الشرط، والفاء للربط‏.‏

والبيتان لعبد الله بن همام السلولي‏.‏

والإزجاء‏:‏ السوق، بالزاء المعجمة والجيم‏.‏ يقال‏:‏ أزجيت الإبل، إذا سقتها‏.‏ وظعينتي‏:‏ مفعول أزجي‏.‏ والظعينة‏:‏ المرأة ما دامت في الهودج‏.‏ وروى بدله‏:‏ مطيتي‏.‏ والمطية‏:‏ البعير‏.‏

وزعم بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل أن ظعينتي منادى، ومفعول أزجي محذوف تقديره‏:‏ ركائبي‏.‏

وروى سيبويه‏:‏ مزجى ظعينتي بصيغة اسم المفعول، فيكون ظعينتي نائب الفاعل، وذكر مزجى، والأصل مزجاة بالهاء، قاله ابن المستوفي‏.‏

وجملة‏:‏ أزجي حال من الياء من تريني لا مفعول ثان لترى، لأنها هنا بصرية‏.‏ وكذلك مزجى حال‏.‏

وجملة‏:‏ أصعد وأفرع تفسير لأزجي وبيان له‏.‏ وقال ابن المستوفي‏:‏ أصعد موضعه النصب على الحال، ولو جعل بدلاً من مزجى على رواية من روى مطيتي، جاز؛ لأن معنى يزجي مطيته معنى يصعد في البلاد ويفرع‏.‏

قال صاحب الصحاح‏:‏ وأصعد في الوادي، وصعد في الوادي تصعيداً، أي‏:‏ انحدر فيه‏.‏ وأنشد هذا البيت، فيكون أفرع بفتح الهمزة مقابلاً له‏.‏ قال صاحب الصحاح‏:‏ وفرعت الجبل‏:‏ صعدته، وأفرعت في الجبل‏:‏ انحدرت‏.‏

قال رجل من العرب‏:‏ لقيت فلاناً فارعاً مفرعاً، يقول‏:‏ أحدنا مصعد والآخر منحدر‏.‏ وسيراً‏:‏ مصدر في موضع الحال‏.‏

وأنشد الزمخشري في المفصل المصراع الأول كذا‏:‏ فإنا تريني اليوم على أن ما تزاد بعد إن للتأكيد‏.‏

وقوله‏:‏ فإني من قوم سواكم‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف قال سواكم، وهو يخاطب امرأة‏؟‏ فالجواب أنه للتعظيم، وربما خوطبت المرأة الواحدة بخطاب جماعة الذكور مبالغة في سترها، فيعدل عن الإفراد والتأنيث إلى الجمع والتذكير، فيبعد عن الضمير لها بمرتبتين‏.‏ ومنه قوله تعالى حكاية عن موسى‏:‏ فقال لأهله امكثوا ‏.‏

وقال عمر بن أبي ربيعة مخاطباً لامرأة‏:‏ البسيط

كم قد ذكرتك ل أجزى بذكركم *** يا أشبه الناس كل الناس بالقمر

وفهم بالميم لا بالراء، وأشجع‏:‏ قبيلتان‏.‏

قال الأعلم‏:‏ انتمى الشاعر في النسب إلى فهم وأشجع، وهو من سلول بن عامر، لأنهم كلهم من قيس عيلان بن مضر‏.‏

وقائل هذين البيتين كما قال سيبويه وغيره‏:‏ عبد الله بن همام السلولي‏.‏

وهذا نسبه من الجمهرة‏:‏ عبد الله بن همام بتشديد الميم، ابن نبيشة بضم النون، وابن رياح بكسر الراء بعدها مثناة تحتية، ابن مالك بن الهجيم بالتصغير، ابن حوزة بالحاء المهملة، ابن عمير بن مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن‏.‏

وكان يقال لعبد الله من حسن شعره‏:‏ العطار‏.‏

وسلول هي بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة، كانت امرأة مرة بن صعصة، وأولادها منه ينسبون إليها‏.‏

وعبد الله بن همام شاعر إسلامي من التابعين‏.‏ قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء‏:‏ هو من بني مرة بن صعصعة من قيس عيلان‏.‏

وبنو مرة يعرفون ببني سلول، وهي أمهم، وهي بنت ذهل بن شيبان من ثعلبة، وهم رهط أبي مريم السلولي، كان له صحبة‏.‏

وعبد الله هو القائل في عريفهم‏:‏ المتقارب

ولما خشيت أظافيره *** نجوت وأرهنته مالكا

عريفاً مقيماً بدار الهو *** ن أهون علي به هالكا

وهو القائل في الفلافس‏:‏ الطويل

أقلي علي اللوم يا ابنة مالك *** وذمي زماناً ساد فيه الفلافس

وساع من السلطان ليس بناصح *** ومحترس من مثله وهو حارس

وكان الفلافس هذا على شرطة الكوفة، من قبل الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، أخي عمر بن أبي ربيعة‏.‏ وخرج الفلافس مع ابن الأشعث، فقتله الحجاج‏.‏

وعبد الله هو القائل ليزيد بن معاوية يعزيه عن أبيه‏:‏ البسيط

اصبر يزيد فقد فارقت ذا مقة *** واشكر حباء الذي بالملك رداكا

لا رزء أعظم بالأقوام قد علمو *** مما رزئت ولا عقبى كعقباكا

أصبحت راعي أهل الدين كلهم *** فأنت ترعاهم والله يرعاكا

وفي معاوية الباقي لنا خلف *** إذا نعيت ولا نسمع بمنعاكا

وأنشد بعده‏:‏ الطويل

كبير أناس في بجاد مزمل

على أن قوله‏:‏ مزمل جر لمجاورته المجرور، وهو أناس، وبجاد، ولولاه لرفع، لأنه صفة لقوله‏:‏ كبير‏.‏

وقد تقدم شرحه مفصل مستوفى في الشاهد الخمسين بعد الثلثمائة‏.‏

وهو عجز، وصدره‏:‏

كأن أباناً في عرانين وبله

والبيت من معلقة امرئ القيس‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الخفيف

فمتى واغل يزرهم يحيو *** ه وتعطف عليه كأس الساقي

على أنه فصل اضطراراً بين متى ومجزومه فعل الشرط بواغل، فواغل‏:‏ فاعل فعل محذوف يفسره المذكور، أي‏:‏ متى يزرهم واغل يزرهم‏.‏ والواغل‏:‏ الذي يدخل على من يشرب الخمر، ولم يدع إليها، وهو في الشراب بمنزلة الوارش في الطعام، وهو الطفيلي‏.‏

وقد تقدم الكلام على هذا البيت في الشاهد الحادي والستين بعد المائة‏.‏

وأنشده بعده‏:‏ الرمل

أينما الريح تميلها تمل

لما تقدم قبله‏.‏

فتكون الريح فاعلة لفعل محذوف يفسره المذكور، أي‏:‏ أينما تميلها الريح تميلها‏.‏

وقد تقدم الكلام على هذا البيت أيضاً في الشاهد الثاني والستين بعد المائة‏.‏

وهو عجز وصدره‏:‏

صعدة نابتة في حائر

وأنشد بعده‏:‏